الإكتئاب ما بعد الولادة: أزمة تواجه الأمهات الجدد وتتطلب التدخل العاجل

أكسجين || تقوى البوسيفي
يعتبر الاكتئاب ما بعد الولادة (PPD) مشكلة طبية خطيرة، حيث تساهم العوامل الاجتماعية والبيئية والبيولوجية في زيادة احتمالية الإصابة به.
وأظهرت الدراسات والأوراق العلمية الحديثة أن الاكتئاب ما بعد الولادة يعد من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا بين الأمهات الجدد، حيث يصيب ما يصل إلى 20% من النساء اللواتي مررن بتجربة الولادة.
هذا النوع من الاكتئاب يتجاوز كونه مجرد تغيرات مزاجية طبيعية، بل هو حالة طبية تتطلب التدخل والدعم المبكر لتفادي مضاعفاته.
وفقًا لمراجعة منهجية نُشرت عام 2020، هناك عوامل عدة تزيد من خطر الإصابة بهذا النوع من الاكتئاب، من أبرزها قلة الدعم الاجتماعي، التعرض لضغوط نفسية شديدة، وجود تاريخ سابق للاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى، وكذلك التعرض للإيذاء أو سوء المعاملة. كما أن المشاكل الزوجية أو الولادة الصادمة قد تسهم في ظهور الأعراض بشكل أكبر.
متى يبدأ الاكتئاب ما بعد الولادة؟
تشير الإحصائيات إلى أن غالبية الحالات تظهر في غضون أربعة إلى ستة أسابيع بعد الولادة، إلا أن هناك حالات يبدأ فيها الاكتئاب أثناء الحمل نفسه. ووفقًا لما ورد في “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية”، فإن الاكتئاب ما بعد الولادة يمكن تصنيفه كأي نوبة اكتئاب تبدأ خلال فترة الحمل أو في الأسابيع الأولى التي تلي الولادة.
أعراض تحتاج إلى انتباه:
غالبًا ما يُخطئ البعض في تشخيص الاكتئاب ما بعد الولادة بسبب تشابه أعراضه مع الإرهاق الناتج عن قلة النوم أو التغيرات الهرمونية الطبيعية. ومع ذلك، فإن استمرار مشاعر الحزن الشديد، وفقدان المتعة، والصعوبة في التواصل العاطفي مع الرضيع، قد تكون علامات واضحة على الإصابة بالاكتئاب. وتشمل الأعراض الأخرى الشعور باليأس، الأفكار المتعلقة بإيذاء النفس، وصعوبة أداء المهام اليومية.
الفرق بين الكآبة النفاسية Baby Blues
والاكتئاب ما بعد الولادة Postpartum depression (PPD)
من المهم التفريق بين الكآبة النفاسية التي تصيب معظم النساء بعد الولادة والاكتئاب ما بعد الولادة. تعتبر الكآبة النفاسية شائعة جدًا ومؤقتة ،حيث أشارت دراسة أجريت في عام 2018 الي أنها تصيب ما يصل إلى85% من الأمهات الجدد، وتتميز بظهورها خلال الأسبوعين الأولين بعد الولادة واختفائها دون الحاجة إلى تدخل طبي. أما الاكتئاب ما بعد الولادة، فهو أكثر حدة واستمرارية، وقد يستمر لأشهر أو حتى سنوات إذا لم يُعالج.
أهمية الدعم والعلاج
أكدت الدراسات أن الحصول على الدعم الاجتماعي من الشريك والعائلة يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحسين حالة الأمهات المصابات بالاكتئاب ما بعد الولادة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاج النفسي أو الأدوية قد يكونان ضروريين في بعض الحالات.
كما يجب على أفراد الأسرة والمجتمع أن يدركوا أن الاكتئاب ما بعد الولادة ليس مجرد حالة مزاجية عابرة، بل مشكلة صحية تتطلب الاهتمام. من المهم تقديم الدعم اللازم للمرأة في هذه المرحلة الحرجة، سواء من خلال مساعدتها في رعاية الطفل أو توفير بيئة عاطفية آمنة.
دعوة للتوعية
إن الاكتئاب ما بعد الولادة ليس قضية فردية، بل مشكلة صحية عامة تؤثر على الأمهات وأسرهن. لذلك، من الضروري نشر الوعي بأعراضه وعوامل خطره وأهمية العلاج المبكر. فقط من خلال توفير بيئة داعمة ومجتمع واعٍ، يمكن للنساء التغلب على هذا التحدي النفسي الصعب والاستمتاع بتجربة الأمومة بشكل صحي ومستقر.
تقرير : تقوى حسين البوسيفي